مريم العذراء أو القديسة مريم العذراء (بالعبرية מרים הבתולה مِريَم هَبِتوله مِريَم بثولتا وباليونانية Παρθένος Μαρία برثينوس مريا) شخصية مميزة في العهد الجديد والقرآن كأم يسوع الناصري، بولادة عذرية دون تدخل رجل، حسب المعتقدات المسيحية والإسلامية.
وفق المعتقدات المسيحية فإن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار، عندما بشرها الملاك جبرائيل بحملها بيسوع وظلت بقربه حتى الصلب. الكتب الأبوكريفية المختلفة وكتابات آباء الكنيسة تتكلم عن حياتها المبكرة وحتى بداية الدعوة العلنية ليسوع، وقد قبلت هذه الكتابات بنسب متفاوت كعقائد لدى الطوائف المسيحية، وقد صيغ عدد آخر من العقائد في المسيحية تعرف باسم العقائد المريمية تتحدث عن العذراء ودورها، التي أغدقت عليها الكنيسة أيضًا عددًا كبيرًا من الألقاب، فهي الملكة والمباركة والشفيعة المؤتمنة وغيرها من الألقاب التي تندرج في إطار تكريمها، الذي تعتقد الكنائس التي تفرد لمريم مكانة خاصة أنه جزء من العقيدة المسيحية، وفي سبيل ذلك أيضًا أقامت عددًا كبيرًا من الأعياد والتذكارات في السنة الطقسية خاصة بها، وأشيدت أعداد كبيرة من الكنائس والمزارات على اسمها، إلى جانب طرق مختلفة أخرى من التكريم، ويسمى علم دراسة مريم ودورها في الكتاب المقدس والمسيحية الماريولوجيا (en).
لا تروي الأناجيل أو أية كتابات مسيحية رسمية عن طفولة مريم العذراء أو حياتها قبل البشارة، لكن هناك عدد من الكتب الأبوكريفية التي لم تعتمد في الكنيسة ككتب رسمية لعدم صحة نسبتها إلى التلاميذ الاثني عشر أو شخصيات مقربة منهم، أو لكتابتها في تاريخ متأخر عن سائر المؤلفات التي تدعى بالقانونية أو حتى بسبب أسلوب كتابتها الشعبي،[5] تتناول حياة مريم المبكرة بشكل مفصل، هناك إنجيل خاص يعرف باسم إنجيل مريم، وآخر يدعى إنجيل يعقوب وطفولة المخلص إلى جانب إنجيل رحلة العائلة المقدسة، وإنجيل حياة مريم وموت يوسف، وهي الأناجيل الأكثر ذكرًا للعذراء وحياتها المبكرة.[6]
ورغم عدم الاعتراف بها كأناجيل قانونية غير أن هذه الأناجيل كانت ذات انتشار بين الجمهور المسيحيي في القرن الثاني والقرن الثالث وأثرت بشكل أو بآخر على العقائد المسيحية، فرغم عدم ذكر الأناجيل الرسمية عن طفولة العذراء شيءًا يحوي تقويم الأعياد والمناسبات الدينية يوم 21 نوفمبر سنويًا عيدًا خاصًا بتقدمة العذراء للهيكل،[7] ويذكر هذا الحدث في إنجيل بشارة يعقوب ويحدد عمر العذراء آنذاك بثلاث سنوات.[8] وقد تم اعتماد الحدث رسميًا نظرًا لاعتماده من قبل آباء الكنيسة في كتاباتهم ومؤلفاتهم واتفاقهم عليه.
بحسب الرواية الواردة في الكتب الأبوكريفية وتم اعتمادها في المسيحية الرسمية أيضًا فإن والدي العذراء كانا عجوزين لا أولاد لهما في حين كانت أمها عاقرًا لا تستطيع الإنجاب، الأمر الذي كان يعتبر عارًا في المجتمع اليهودي القديم ويجلب تعييرات المجتمع، لكن الرب أجرى معجزة لوالدتها فحبلت وأنجبت مريم بعد أن نذرت نذرًا بأن تهبها لله. وهذا ما حصل فعلاً، فعندما ولدت مريم قدمتها والدتها للخدمة في هيكل سليمان ولها من العمر ثلاث سنوات.[9].
إن إنجيل لوقا يذكر: عذراءً من الناصرة.[لوقا 26/1] الواقعة في الجليل دون أن يشير إلى القدس أو هيكل سليمان، ما دفع البعض لاعتبار الحادث رمزًا أو تقليد واكتفوا بأن تغدق صفات الحمد والثناء على مريم خلال تلك الفترة من عمرها: كانت مريم فتاة من فتيات الناصرة، تقوم بالأعمال المنوطة بهنّ، وتتردد إلى المجمع وتسمع التعليم الديني، وتصلي، إن الله قد اختار مريم وزينها بأجمل المحاسن، مؤهلاً إياها لتلد إبنه في الجسد وتحضنه وترعاه وتخدمه كما يليق بالقدوس.[10] فالراجح إذن حسب النظرية الرسمية في المسيحية أن العذراء وإن قدمها ذويها إلى الهيكل حسب رواية الكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي، إلا أنها قد عادت إلى منزل ذويها في الناصرة حيث قضت هناك عدة سنوات قبل خطبتها ليوسف النجار، خصوصًا أن النساء لم يكن المسموح لهنّ بالخدمة أو الإقامة في الهيكل لدى تجاوزهنّ سن الاثني عشر عامًا وهو عمر البلوغ وفق الشريعة اليهودية.[11] في حين يذكر إنجيل بشارة يعقوب المنحول أن يوسف من كفل العذراء إثر قرعة قام بها زكريا بعد تجاوز مريم الثانية عشر من عمرها.
على الرغم من أن إنجيل يعقوب يذكر أن يهوياقيم كان غنيًا بيد أن عددًا من الباحثين يشيرون خلاف ذلك، أو أن عائلة خطيبها يوسف النجار أقله لم تكن كذلك، فعند تقدمة يسوع وفق الشريعة اليهودية قام يوسف ومريم بتقديم ذبيحة الفقراء.[لوقا 24/1] يلفت اللاهوتيون النظر إلى كون: نشيد الفرح الذي شدت به لأليصابات يبيّن مدى معرفتها بالله وبالتقليد اليهودي وبكون أفكارها مملوءة بكلمات من العهد القديم.[12] ما يتفق مع الكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي بكونها تلقت تعاليمًا ودورسًا دينية.
استنادًا إلى إنجيل بشارة يعقوب ذاته وعدد من كتابات آباء الكنيسة فإن يوسف النجار كان له من العمر تسعون عامًا عندما كفل مريم،[13] ما يجعل ميلادها إذا ما حدد موعد ميلاد يسوع بين عامي 4 إلى 6 قبل الميلاد حوالي عام 18 قبل الميلاد، وتعتبر هذه النظرية رسمية في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنائس الأرثوذكسية المشرقية غير أنها تنتقد بشدة من قبل أغلب الباحثين وكذلك من قبل الكنيسة الكاثوليكية. فمن المعروف أن يوسف النجار كان حيًا عندما كان عمر يسوع اثني عشر عامًا،[لوقا 48/2] ثم لا يذكر في حياة يسوع العلنية مطلقًا؛ ومن المستبعد كما يرى الباحثون، أن يقوم رجل تجاوز المئة بالسفر إلى مصر أو أورشليم، ورعاية عائلة من جديد، خصوصًا أن الرواية الأولى تضيف أن ليوسف زواجًا سابقًا دام تسعًا وأربعين عامًا أنجب فيه ستة أولاد،[13] فالمعتمد في الكنيسة الكاثوليكية وكذلك الكنيستين اللوثرية والإنجليكانية إضافة لأغلب الباحثين عدم الأخذ بنظرية الأعمار الواردة في الكتب الأبوكريفية وإن قام عدد منهم بالأخذ بها كما فعل نيكوس كازانتزاكيس؛ علمًا بأنه وفق المعتقدات الكاثوليكية فإن العذراء عندما ظهرت في بلدة فاطمة البرتغالية عام 1917 وصفت من قبل الرؤاة بأن عمرها بين السادسة عشر والتاسعة عشر؛[14] وتحدد الكنيسة الكاثوليكية عمر يوسف النجار بنحو الثلاثين عند زواجه ووفاته بنحو الستين.[15]
بحسب التقليد المسيحي أيضًا، أي مجموع كتابات آباء الكنيسة الأوائل، فإن والدي العذراء هما حنة ويهوياقيم، ويحتفل بتذكارهما في 9 سبتمبر من كل عام،[16] أي بعد يوم واحد من ذكرى ميلاد مريم العذراء في 8 سبتمبر من كل عام حسب التقليد الكنسي أيضًا.[17]
هناك أيضًا جدل بين الباحثين حول نسب مريم العذراء وإلى أي سبط من أسباط بني إسرائيل تنتمي، فحسب بعض آباء الكنيسة كالقديس أمبروسيوس وبعض المفسرين البروتستانت للعهد الجديد أمثال ديفيد فيرمان وجيمس جالفن تنسب العذراء إلى سبط يهوذا الملكي، وبالتالي فإن يسوع ينتسب إلى سبط يهوذا من كلال ناحيتي أباه وأمه، يرى هؤلاء أن سلسة نسب يسوع الواردة في إنجيل لوقا 3/ 23-38 هي نسبه من ناحية أمه مريم ويعتقدون أن هالي المذكور بعد يوسف هو حمي يوسف وليس والده،[18][19] البعض الآخر من الباحثين يرون أنها من سبط لاوي وذلك استنادًا إلى كون أليصابات قريبتها متزوجة من هذا السبط ولا يحق لليهود الزواج من غير سبطهم حسب تشريع سفر العدد، وتعتبر هذه النظرية الرسمية لدى الإسلام[20] وكذلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،[21] غير أن العهد القديم يحفل أيضًا بذكر زوجات شخصياته من غير أسباطهم بل من غير بني إسرائيل رغم أن الشريعة اليهودية تحرّم ذلك، فلدى العودة من سبي بابل الكثير من الشرائع اليهودية سقطت. هناك أيضًا هناك رأي ثالث يغلب عليه الطابع التاريخي فالناصرة حيث ترعرت العذراء واقعة ضمن حدود سبط منسّى، لذلك فقد تكون العذراء من هذا السبط، وهناك عدد آخر من الباحثين كالأب الباحث سليم يمّين ووديع بشور يرون أن يسوع وأمه وعائلته ليسوا بيهود أصلاً وإنما سريان آراميون متهودون.[22]ً
يتناقص ذكر العذراء في الأنجيل خلال حياة يسوع العلنية، هذا يعود بشكل أساسي لكون الإنجيل: آيات دونت لكم لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم الحياة الأبدية إذ تؤمنون.[يوحنا 31/20] فالأناجيل الأربعة تركز على شخص يسوع وأعماله وتعاليمه دون سائر الشخصيات على اختلاف أهميتها؛ سوى ذلك فإن العذراء لم تكن من الذين تبعوا يسوع في جولاته وتبشيره فلا يذكرها إنجيل لوقا 8/ 1-3 في إطار ذكره للنساء اللواتي تبعنّ يسوع، ويتضح ذلك بشكل جلي في إنجيل متى 13/ 55-56 حيث يذكر أنها قد ظلت مقيمة في الناصرة، يعتقد المسيحيون أن في ذلك دروسًا وعبرًا عديدة:
تذكر مريم في سفر أعمال الرسل 1/ 12-14 مع الحاضرين في أورشليم من التلاميذ الاثني عشر بعيد صعود يسوع إلى السماء وفق الكتاب المقدس وهي الوحيدة التي ذكرت باسمها؛ ويذكر السفر: أنهم كانوا جميعًا يداومون على الصلاة بقلب واحد.[أعمال 14/1] كذلك فقد كانت مريم حاضرة عند اختيار خلف يهوذا الإسخريوطي،2 وعند حلول الروح القدس، ويعتبر هذا الحدث هامًا إذ إنه وفق المعتقدات المسيحية فهو يمثل ميلاد الكنيسة،[65] وبداية عصر الرسل.
التقليد الكنسي يذكر أن مريم قد انضمت فعلاً إلى بيت يوحنا بن زبدي كما كان يسوع أوصى وهو على الصليب، ويذكر أيضًا أنها سكنت في بيته في أورشليم أحد عشر عامًا، ثم انتقلت وإياه إلى أفسس في آسيا الصغرى، حيث قضت هناك سائر سنواتها،[66] ولا يزال بيت العذراء في أفسس المكان التقليدي الذي عاشت فيه مريم عند انتقالها من فلسطين.[67]
ورغم أن حياتها بشكل عام كانت هادئة إذاك غير أن عددًا من الأحداث الهامة أشرفت عليها: لقاؤها بلوقا الذي نقل عنها أخبار الميلاد والطفولة ووضعها في إنجيله،[49] ومساهمتها في إنشاء كنيسة أفسس، وكذلك رسم أولى الأيقونات،[68] وتأسيس كنيسة فيليبي التي كانت أولى الكنائس التي تبنى على اسمها في المسيحية.[69]
عادت مريم إلى أورشليم في سنيها الأخيرة، ومن غير المعروف كيف توفيت أو طريقة وفاتها، هناك بضعة ميامير (قصائد شعبية) تذكر أنها مرضت ومن ثم توفيت، وتجمع الطوائف المسيحية التي تبجل العذراء أنها قد انتقلت من جبل الزيتون بحضور من تبقى حيًا من التلاميذ الاثني عشر إلى السماء مباشرة؛ يأتي هذا الاعتقاد استنادًا إلى عدد من نبؤات العهد القديم، وتختلف الطوائف بتفاصيل الاعتقاد به؛[70] وبحسب التقليد المسيحي أيضًا فإن الانتقال قد تمّ بعد 13 إلى 15 عامًا من قيامة يسوع وبالتالي يكون قد تمّ بحوالي عام 43، ويسع القول أنها كانت بحدود الستين من عمرها آنذاك.3
يعتقد المسيحيون أن مريم قد مكثت بتولاً قبل الميلاد وفي الميلاد وبعد الميلاد،[71] ويعتبر هذا الاعتقاد أحد أركان الإيمان المسيحي لدى الطوائف التي تبجل مريم العذراء وأقدمها،[72] إذ قد ظهر في الكتابات المبكرة منذ القرن الثاني ويمكن رؤية ما يؤيده في الأناجيل، وسوى ذلك فعندما دار الجدال حول تفسير متى 1/25: ولكنه لم يعرفها حتى ولدت ابنًا فسماه يسوع. أقر مجمع نيقية عقيدة الدائمة البتولية حسمًا لأي جدال فيها.[73][74]
عقيدة انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء تعتبر أيضًا من أهم العقائد المسيحية حول العذراء، وهي أيضًا مشتركة بين مختلف الطوائف المسيحية التي تبجلها وإن بأشكال مختلفة؛ وقد ظهرت هذه العقيدة منذ القرون الأولى وتظهر في كتابات آباء الكنيسة إذ يقول القديس يوحنا الدمشقي: كما أن الجسد المقدّس النقي، الذي اتخذه الكلمة الإلهي من مريم العذراء، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء؛[79] أما القديس بطرس دميانوس فيقول: في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية؛ ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولاسيما نشيد الأناشيد 10/2.[80] وتظهر عقيدة انتقال العذراء أيضًا في الطقوس المسيحية المبكرة، وكذلك في إفراد عيد خاص لها يوم 15 أغسطس يسبقه صوم مدته أربعة عشر يومًا؛[81] غير أن هذه العقيدة لم تبحث في مجمع ولم تثبت في نصوص رسمية إلى أن قام البابا بيوس الثاني عشر بإعلانها للكنيسة الكاثوليكية كعقيدة رسمية في 1 نوفمبر 1950،[82] بعد دراسة لاهوتية استمرت أربع سنوات،[79] وقال البابا حينها: إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها، أن مريم والدة الإله الدائمة البتولية والمنزهة عن كل عيب، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقِلَت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي.[83]
على الرغم من اختلاف المعتقدات المسيحية بكيفية انتقال العذراء إلى ملكوت السماوات، فإنها تجمع أنها قد باتت ملكة وجلست عن يمين الله استنادًا إلى نبؤة سفر المزامير: جعلت الملكة عن يمينك بذهب وفير.[مزمور 9/45] وأيضًا مما ورد في سفر رؤيا يوحنا: امرأة لابسة الشمس والقمر تحت قدميها وعلى رأسها تاج من اثني عشر نجمًا.[رؤيا 1/12] ولذلك تلقب مريم العذراء باسم ملكة السماء.[91]
ويرتبط مفهوم سلطانة السماء والأرض بمفهوم الشفاعة؛ يؤمن المسيحيون أن العذراء تقوم بدور وسيط بين الله والبشرية،[89] ويتضح دورها كشفيعة في العهد الجديد من خلال دورها في عرس قانا الجليل، فيسوع لم يرد اجتراح المعجزة ولكنه إكرامًا لوالدته اجترحها.[92] كذلك يتضح دورها كشفيعة في الظهورات المريمية اللاحقة التي يؤمن المسيحيون بصحة وقوعها،[93] غير أنّ مفهوم شفاعة العذراء يختلف في وجهة نظر هذه الكنائس عن شفاعة يسوع المسيح الكفارية (انظر الحاشية للاستزادة)5؛[89] وقد طوبت مريم كسلطانة للسماء والأرض مرات عديدة منذ آباء الكنيسة حتى أعاد البابا بيوس الثاني عشر في 1 ديسمبر 1942: تكريس العالم أجمع لقلب مريم الأقدس؛ وأعلن بأن تكريس العالم لقلب مريم الأقدس يعني تكريس العالم لمحبة مريم العذراء.[93]
لا يمكن اعتبار رفض نسطور بطريرك القسطنطينية تسمية مريم والدة الله، مرتبطًا بها بشكل مباشر، بل إن نسطور وكذلك الكنائس التي لا تزال تتبع عقيدته وهي كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة المشرق القديمة يقرون مبدأ تبجيل العذراء وإكرامها؛ غير أن الخلاف الناشئ حول اللقب يأت من الخلاف حول يسوع نفسه؛[89] آمن نسطور كسائر المسيحيين بالثالوث الأقدس لكنه رفض اعتبار الابن ثاني الأقانيم الإلهية حسب المعتقدات المسيحية هو يسوع، بل ظهر الابن أو تجلى في يسوع وقت العماد، وبناءً على نظرته نحو يسوع وجد نسطور أن لقب “والدة الله” يعتبر هرطوقيًا وأنه يجب استبداله بلقب “والدة المسيح”.[99]
عندما أدان مجمع أفسس عام 431 العقيدة النسطورية أقر رسميًا استعمال لفظ "ثيوتوكوس" (باليونانية: Θεοτόκος) للإشارة إلى مريم العذراء، تترجم في اللغة العربية غالبًا بوالدة الله أو أم الله أو والدة الإله، وتعني حرفيًا في اللغة اليونانية مانحة الإله. أضاف المجمع أيضًا القسم الأخير من السلام الملائكي الصلاة الأشهر للعذراء في المسيحية، وهو: يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا. آمين. كإقرار من آباء الكنيسة بمصطلح والدة الله وبعقيدة شفاعة العذراء.[100]
لا يشير المصطلح في العقيدة المسيحية إلى أن العذراء ذات طبيعة إلهية أو أنها إله لكونها قد أنجبت الإله، بل يشير أنها حبلت وأنجبت بيسوع الذي هو وفق المعتقدات المسيحية إله منذ الأزل، ولكونها قد حبلت بالإله تستحق أن تنادى والدة الله، وقد دعيت به صراحة في لوقا 46/1 وورد أيضًا في مجمع الإسكندرية المحلي الذي انعقد عام 320 لإدانة الآريوسية.[89]
[]
الوردية المقدسة أو المسبحة الوردية هي عقيدة وصلاة في الكنيسة الكاثوليكية،[109] تتألف من خمسة عشر بيتًا يتأمل خمس منها في الفرح وخمس في الحزن وخمس في المجد،[110] وقد أضاف البابا يوحنا بولس الثاني عام 2002 خمسة أسرار جديدة تتأمل في النور.[110]
أصل المسبحة الوردية يعود للقرن العاشر أو القرن الحادي عشر،[111] حيث استعاض الرهبان عن تلاوة مزامير داوود وعددها مائة وخمسون بتلاوة مائة وخمسين سلام ملائكي، بنتيجة تفشي الأمية وعدم مقدرة القسط الأكبر من الشعب قراءة المزامير،[111] في القرن الثالث عشر قام القديس دومنيك بتطوير الصلاة الوردية فقسمها إلى خمسة عشر بيتًا واستحدثها بالشكل المتعارف عليه اليوم، وفقًا للمعتقدات الكاثوليكية وكذلك وفقًا لشهادة المؤرخ كاستيليوس فإن القديس دومنيك قام بهذا العمل بإيحاء من العذراء نفسها حين ظهرت له عام 1213 قرب مدينة تولوز في جنوب فرنسا،[112] وساهم تأسيس القديس دومنيك عام 1216 للرهبنة المعروفة باسمه وهي الرهبنة الدومنيكانية في نشر هذه الصلاة والتأكيد على أهميتها،[113] ثم اختصرت المسبحة في وقت لاحق إلى الثلث أي خمسة أبيات فقط، وخصص يومي الاثنين والخميس لأسرار الفرح، ويومي الثلاثاء والجمعة لأسرار الحزن والسبت والأربعاء لأسرار المجد، أما الأحد فينتقل موضوعه حسب موضوع السنة الطقسية في المسيحية.[114]
تؤمن أغلب الطوائف المسيحية، بأن العذراء تظهر على الأرض بهدف إيصال رسالة إلهية معينة، وترى الكنيسة الكاثوليكية أن تكاثر الظهورات المريمية دليل على اقتراب يوم القيامة،[138] وتمر عملية تثبيت الظهورات وتثبيتها بشكل رسمي بمراحل عديدة: إن أي تقرير حول أي ظهور أو أمر غير طبيعي يجب أن يحظى أولاً بمصادقة الأسقف المحلي الذي يبني قراره على تقييم تقدمه لجنة يعينها لتقوم بدراسة دقيقة لتتأكد أن الحدث لا يحمل شيئاً معاكساً للإيمان أو الأخلاق وبأنه موحى به أو فوق الطبيعي وبالتالي مستحق أن يجتذب إكرام المؤمنين. عمل اللجنة يقوم على أسس علمية مثل إخضاع مَن يتلقى الرؤيا لفحوص نفسية، وفي حال حدوث أي أمر في الطبيعة كظهور نجوم أو تحرك الشمس. تُخضع اللجنة كل هذه الأمور للبحث العلمي مرتكزة على علوم الفيزياء والفلك والرياضيات وغيرها.[139]
يلي ذلك رفع القضية إلى الكرسي الرسولي في الفاتيكان الذي ينظر بالقضية مجددًا ليثبتها بشكل رسمي،[140] في الكنيسة الكاثوليكية في حين تختصّ المجامع المقدسة لدى سائر الطوائف بالتصديق على الأمر، على أن التشكيك عادة يرافق أي ظهور أو حدث عجائبي. والظهورات المريمية ليست بالأمر الحديث في المسيحية إذ إنّ عددًا كبيرًا من الظهورات المثبتة تعود لفترة القرون الوسطى وما سبقها.[141]
بعض الاماكن التي ضهرت بها العذراء بعد موتها:
سيدة كنيسة الزيتون
(صدقت عليه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 4 مايو 1968).القاهرة، مصر
سيدة الصوفانية
(صّدقت بطريركية الروم الأرثوذكس في 31 ديسمبر 1982 على الظهور.)11دمشق، سوريا
سيدة نوك، ملكة إيرلندا
(صدّق الكرسي الرسولي على الظهور عام 1936)
سيدة لورد، سيدة الحبل بلا دنس
(صدّق الكرسي الرسولي على الظهور في 18 يناير 1862)
سيدة غوادالوبي، راعية الأمريكيتين
(صدّق رئيس أساقفة المكسيك على الظهور عام 1555)
سيدة الوردية عام 1213